محاكمة رية وسكينة: جريمة العصر

محاكمة رية وسكينة: جريمةٌ أثارت ضجة كبيرة في التاريخ المصري

تعتبر جريمة رية وسكينة واحدة من أشهر القضايا التي شغلت الرأي العام المصري في أوائل القرن العشرين، وبالتحديد في العقد الثاني من القرن، حيث تناولت هذه القضية وسائل الإعلام بشكل مكثف، مما جعلها حديث الناس في المقاهي والمجالس والمنتديات. رية وسكينة، شقيقتان من طبقة فقيرة، استحوزتا على اهتمام الجمهور نتيجة لجريمتهما البشعة التي جرت على صفحات الصحف ولحقتها محاكمة أثارت جدلاً واسعاً. كانت تلك الجريمة جزءًا من حقبة زمنية حافلة بالأحداث الاجتماعية والسياسية التي ساهمت في تشكيل وعي المجتمع المصري في تلك الفترة. في هذا المقال، سنتناول تفاصيل جريمة رية وسكينة، والأحداث التي قادت إلى محاكمتهما، بالإضافة إلى خلفيات الجريمة وتأثيراتها على المجتمع المصري في ذلك الوقت.

بداية القصة: من الفقر إلى الجريمة

ريهام وسكينة، كانتا تُعتبران من العائلات الفقيرة التي نشأت في حي متواضع من أحياء مدينة الإسكندرية. لا يمكننا الحديث عن الجريمة دون أن نذكر الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعيش فيها رية وسكينة وأسرتهما. كانتا من أسرة ذات دخل محدود للغاية، حيث كانت تدير والدتهما مسكنًا فقيرًا في أحد الأحياء الشعبية، وكان الأب غائبًا عن الأسرة في غالب الأوقات.

في السنوات التي سبقت الجريمة، كانت العائلة تواجه تحديات كبيرة، ما دفع الفتاتين إلى البحث عن طرق غير قانونية للحصول على المال. إذ كانت رية وسكينة تبحثان عن سبيل لتحسين وضعهما المالي، وكان ذلك عن طريق احتراف ممارسة الدعارة، وهو ما دفعهما إلى التحول إلى مجرمين محترفين، حيث قاما بتكوين شبكة مع مجموعة من الرجال الذين كانوا يتعاونون معهما في عمليات سرقة وابتزاز.

الجريمة البشعة: جريمة القتل والسرقة

بدأت قصة الجريمة بقتل مجموعة من الضحايا، معظمهم من الرجال الذين كانوا يقيمون مع رية وسكينة في منازل آمنة يبدو أنها كانت بمثابة “ملاجئ” للراغبين في قضاء وقت ممتع. كانت الفتيات تستخدم الحيلة والدهاء لجذب ضحاياهن، حيث كانتا تدعوان الرجال إلى شققهما، ومن ثم يقمن بقتلهن وسرقة أموالهن وممتلكاتهم. بعد قتل الضحايا، كانت رية وسكينة تسارعان إلى التخلص من الجثث، فتقومان بدفنها في أماكن نائية أو في الأماكن التي لا يمكن اكتشافها بسرعة.

الأمر الذي يثير الدهشة هو الأسلوب البشع الذي اتبعته الشقيقتان في القتل. لم يكن القتل مجرد عملية عابرة، بل كان مُدبراً بحذر واهتمام. كانت الفتيات تخططن لهذه الجرائم بعناية شديدة، حيث كانتا تستخدمان أساليب متنوعة لإخفاء الأدلة، وكانت إحداها تتمثل في تغليف الجثث في أكياس ثقيلة لا تحمل أي أثر يتيح التعرف على هوية الضحية.

ظهور الجريمة في الصحف

أثار ظهور القضايا الجنائية في الصحف اهتمامًا بالغًا لدى المجتمع المصري في تلك الفترة. كانت الصحف تبث قصص الجرائم المروعة في صفحاتها الأولى، مما جعل القارئ يقتنع بأن هناك شيئًا غير طبيعي يحدث في المجتمع المصري. كانت جريمة رية وسكينة تملأ الصفحات، وتتصدر عناوين الصحف، مما جعل الجميع في حالة من الصدمة.

تصدرت جريمة رية وسكينة الأخبار اليومية، وكثرت التكهنات حول أبعاد الجريمة والدوافع التي كانت وراءها. كانت الصحف تصور الفتاتين على أنهما “قاتلتين” متعطشتين للدماء، وهو ما ساعد في تشكيل الرأي العام بشكل عام. وقد عززت العديد من الروايات الصحفية من تصعيد الانطباع عن الجريمة، مما جعلها قضية محورية في تلك الفترة.

القبض على رية وسكينة

لم يكن القضاء على جريمة رية وسكينة بالأمر السهل. لكن الشرطة تمكنت في نهاية المطاف من التوصل إلى الفتاتين بفضل التحقيقات المستمرة وجمع الأدلة. على الرغم من أن رية وسكينة كانتا تظنان أنهما قادرتان على الإفلات من العقاب، إلا أن زميلة سابقة لهما في العمل كانت قد أدلت بشهادتها، مما أدى إلى القبض عليهما.

كانت عملية القبض على رية وسكينة تثير المزيد من الجدل، خاصة وأنها كانت محاطة بالكثير من الغموض. إذ أثيرت بعض الأسئلة حول كيفية تمكن الفتاتين من ارتكاب مثل هذه الجرائم دون أن يلاحظه أحد، خصوصًا أن الضحايا كانوا يختفون لفترات طويلة قبل أن يتم العثور على جثثهم.

المحاكمة: بين الأدلة والشهادات

عند بدء المحاكمة، كانت الأنظار جميعها موجهة نحو المحكمة، التي أصبحت بمثابة الساحة التي سيُسطر فيها تاريخ قضية رية وسكينة. كانت المحاكمة بمثابة التحدي الكبير بالنسبة للمتهمين، حيث جرى تقديم الأدلة والشهادات التي أكدت تورطهن في القتل والسرقة. قدمت المحكمة الأدلة التي تم جمعها بعناية خلال التحقيقات، حيث كانت هناك أدلة مادية ودلائل قاطعة على أن رية وسكينة هما المسئولتان عن القتل.

قدمت المحكمة العديد من الشهادات من أشخاص مختلفين، بما في ذلك جيران الشقيقتين الذين أفادوا بأنهم قد سمعوا أصواتًا غريبة تأتي من شققهن في بعض الأوقات. كما تم تقديم شهادات من ضحايا سابقين نجوا من القتل، وشرحوا كيف كان يتم استدراجهم إلى الشقق ثم القتل بطريقة بشعة.

حكم الإعدام

في النهاية، وبعد جلسات طويلة من المحاكمة التي استمرت أشهر، أصدرت المحكمة حكمها بإعدام رية وسكينة. كان الحكم صادمًا للمجتمع المصري، الذي كان يشاهد تلك القضية عن كثب. وقبل تنفيذ الحكم، أثيرت الكثير من الجدل حول إن كان هذا الحكم عادلاً أم لا. فقد اعترض البعض على حكم الإعدام، فيما رأى آخرون أنه كان يستحقا العقاب بسبب الوحشية التي تميزت بها جريمتهما.

تم تنفيذ حكم الإعدام في 1921، حيث أُعدم كل من رية وسكينة، وتلك كانت نهاية قضية شغلت مصر وأثارت فيها الرعب والدهشة في آن واحد.

تأثير القضية على المجتمع المصري

كان لجريمة رية وسكينة تأثير عميق على المجتمع المصري في تلك الفترة. لم تقتصر آثار هذه الجريمة على الرأي العام المحلي، بل تجاوزت حدود مصر لتصل إلى باقي أنحاء الوطن العربي. أثرت القضية في العديد من جوانب الحياة المصرية، بما في ذلك تشكيل الصورة النمطية عن المرأة في المجتمع المصري في تلك الحقبة. وأدت تلك الجريمة إلى نشر الوعي بضرورة مكافحة الجريمة والفساد في المجتمع.

وفي النهاية، تُعتبر جريمة رية وسكينة جزءًا من التاريخ المصري المعاصر، ولا يزال الحديث عنها حتى اليوم، مما يبرهن على مدى تأثيرها في تشكيل الرأي العام والتفاعل مع الجريمة في المجتمع المصري.